¡@
12- تفسير مفاتيح الغيب للرازي |
المسألة
الأولى: حكى
الواحدي عن
الليث أنه
قال: الأصل
في الست
والستة سدس
وسدسة أبدل
السين تاء،
ولما كان
مخرج الدال
والتاء
قريباً أدغم
أحدهما في
الآخر
واكتفى
بالتاء،
عليه أنك
تقول في
تصغير ستة
سديسة،
وكذلك
الأسداس
وجميع
تصرفاته يدل
عليه. والله
أعلم. المسألة
الثانية: {الْخَلْقُ
} التقدير
على ما
قررناه فخلق
السموات
والأرض
إشارة إلى
تقدير حالة
من
أحوالهما،
وذلك
التقدير
يحتمل
وجوهاً
كثيرة: أولها:
تقدير
ذواتهما
بمقدار معين
مع أن العقل
يقضي بأن
الأزيد منه
والأنقص منه
جائز،
فاختصاص كل
واحد منهما
بمقداره
المعين لا بد
وأن يكون
بتخصيص
مخصص، وذلك
يدل على
افتقار خلق
السموات
والأرض إلى
الفاعل
المختار. وثانيها:
أن كون هذه
الأجسام
متحركة في
الأزل محال،
لأن الحركة
انتقال من
حال إلى حال،
فالحركة يجب
كونها
مسبوقة
بحالة أخرى،
والأزل
ينافي
المسبوقية
فكان الجمع
بين الحركة
وبين الأزل
محالاً. إذا
ثبت هذا
فنقول: هذه
الأفلاك
والكواكب
إما أن يقال:
أن ذواتها
كانت معدومة
في الأزل ثم
وجدت، أو
يقال: إنها
وإن كانت
موجودة
لكنها كانت
واقفة ساكنة
في الأزل، ثم
ابتدأت
بالحركة،
وعلى
التقديرين
فتلك
الحركات
ابتدأت
بالحدوث
والوجود في
وقت معين مع
جواز حصولها
قبل ذلك
الوقت
وبعده، وإذا
كان كذلك كان
اختصاص
ابتداء تلك
الحركات
بتلك
الأوقات
المعينة
تقديراً
وخلقاً، ولا
يحصل ذلك
الاختصاص
إلا بتخصيص
مخصص قادر
ومختار. وثالثها: أن أجرام
الأفلاك
والكواكب
والعناصر
مركبة من
أجزاء
صغيرة، ولا
بد وأن يقال:
إن بعض تلك
الأجزاء
حصلت في داخل
تلك الأجرام
وبعضها حصلت
على سطوحها
فاختصاص
حصول كل
واحدة من تلك
الأجزاء
بحيزه
المعين
ووضعه
المعين لا بد
وأن يكون
لتخصيص
المخصص
القادر
المختار. وخامسها: أن
كل واحد من
الأفلاك
متحرك إلى
جهة مخصوصة،
وحركة مختصة
بمقدار معين
مخصوص من
البطء
والسرعة،
وذلك أيضاً
خلق وتقدير
ويدل على
وجود المخصص
القادر. وسادسها: أن كل واحد
من الكواكب
مختص بلون
مخصوص مثل
كمودة زحل،
ودرية
المشتري،
وحمرة
المريخ،
وضياء
الشمس،
وإشراق
الزهرة،
وصفرة
عطارد،
وزهور
القمر،
والأجسام
متماثلة في
تمام
الماهية فكان
اختصاص كل
واحد منها
بلونه
المعين
خلقاً
وتقديراً
ودليلاً على
افتقارها
إلى الفاعل
المختار. وثامنها: أن هذه
الأجسام لا
تخلو عن
الحركة
والسكون
وهما
محدثان، وما
لا يخلو عن
المحدث فهو
محدث، فهذه
الأجسام
محدثة، وكل
محدث فقد حصل
حدوثه في وقت
معين، وذلك
خلق وتقدير
ولا بد له من
الصانع
القادر
المختار. المسألة
الرابعة: في هذه
الآية بشارة
عظيمة
للعقلاء
لأنه قال: {إِنَّ
رَبَّكُمُ
اللَّهُ
الَّذِى
خَلَقَ
السَّمَـوَاتِ
وَالاْرْضَ }
والمعنى أن
الذي يربيكم
ويصلح شأنكم
ويوصل إليكم
الخيرات
ويدفع عنكم
المكروهات
هو الذي بلغ
كمال قدرته
وعلمه
وحكمته
ورحمته إلى
حيث خلق هذه
الأشياء
العظيمة
وأودع فيها
أصناف
المنافع
وأنواع
الخيرات،
ومن كان له
مرب موصوف
بهذه الحكمة
والقدرة
والرحمة،
فكيف يليق أن
يرجع إلى
غيره في طلب
الخيرات أو
يعول على
غيره في
تحصيل
السعادات؟
ثم في الآية
دقيقة أخرى
فإنه لم يقل
أنتم عبيده
بل قال هو
ربكم،
ودقيقة أخرى
وهي أنه
تعالى لما
نسب نفسه
إلينا سمى
نفسه في هذه
الحالة
بالرب، وهو
مشعر
بالتربية
وكثرة الفضل
والإحسان،
فكأنه يقول
من كان له
مرب مع كثرة
هذه الرحمة
والفضل،
فكيف يليق به
أن يشتغل
بعبادة غيره؟ أما
قوله تعالى: {ثُمَّ
اسْتَوَى
عَلَى الْعَرْشِ
} فاعلم أنه
لا يمكن أن
يكون المراد
منه كونه
مستقراً على
العرش ويدل
على فساده
وجوه عقلية،
ووجوه نقلية.
أما العقلية
فأمور: وأما القسم
الثاني:
وهو أن يقال:
أنه تعالى
متناه من كل
الجهات.
فنقول: كل ما
كان كذلك فهو
قابل
للزيادة
والنقصان في
بديهة
العقل، وكل
ما كان كذلك
كان اختصاصه
بالمقدار
المعين،
لأجل تخصيص
مخصص، وكل ما
كان كذلك فهو
محدث،
وأيضاً فإن
جاز أن يكون
الشيء
المحدود من
كل الجوانب
قديماً
أزلياً
فاعلاً
للعالم، فلم
لا يعقل أن
يقال: خالق
العالم هو
الشمس، أو
القمر، أو
كوكب آخر،
وذلك باطل
باتفاق. وأما
القسم
الثالث: وهو أن
يقال: أنه
متناه من بعض
الجوانب،
وغير متناه
من سائر
الجوانب،
فهذا أيضاً
باطل من وجوه:
أحدها: أن
الجانب الذي
صدق عليه
كونه
متناهياً
غير ما صدق
عليه كونه
غير متناه،
وإلا لصدق
النقيضان
معاً وهو
محال. وإذا
حصل التغاير
لزم كونه
تعالى
مركباً من
الأجزاء
والأبعاض،
وثانيها: أن
الجانب الذي
صدق حكم
العقل عليه
بكونه
متناهياً،
إما أن يكون
مساوياً
للجانب الذي
صدق حكم
العقل عليه
بكونه غير
متناه، وإما
أن لا يكون
كذلك،
والأول
باطل، لأن الأشياء
المتساوية
في تمام
الماهية كل
ما صح على
واحد منها صح
على الباقي،
وإذا كان
كذلك:
فالجانب
للذي هو غير
متناه يمكن
أن يصير
متناهياً،
والجانب
الذي هو
متناه يمكن
أن يصير غير
متناه، ومتى
كان الأمر
كذلك كان
النمو
والذبول
والزيادة
والنقصان
والتفرق
والتمزق على
ذاته
ممكناً، وكل
ما كان كذلك
فهو محدث،
وذلك على
الإله
القديم
محال، فثبت أنه
تعالى لو كان
حاصلاً في
الحيز
والجهة،
لكان إما أن
يكون غير
متناه من كل
الجهات وإما
أن يكون
متناهياً من
كل الجهات،
أو كان
متناهياً من
بعض الجهات،
وغير متناه
من سائر
الجهات،
فثبت أن
الأقسام
الثلاثة
باطلة، فوجب
أن نقول
القول بكونه
تعالى
حاصلاً في
الحيز
والجهة محال. والبرهان
الثالث: لو
كان الباري
تعالى
حاصلاً في
المكان
والجهة،
لكان الأمر
المسمى
بالجهة إما
أن يكون
موجوداً
مشاراً
إليه، وإما
أن لا يكون
كذلك،
والقسمان
باطلان،
فكان القول
بكونه تعالى
حاصلاً في
الحيز
والجهة
باطلاً. أما
بيان فساد
القسم الأول:
فلأنه لو كان
المسمى
بالحيز
والجهة
موجوداً
مشاراً
إليه،
فحينئذ يكون
المسمى
بالحيز
والجهة
بعداً
وامتداد،
والحاصل فيه
أيضاً يجب أن
يكون له في
نفسه بُعْدُ
وامتداد،
وإلا لامتنع
حصوله فيه،
وحينئذ يلزم
تداخل
البعدين،
وذلك محال
للدلائل
الكثيرة،
المشهورة في
هذا الباب،
وأيضاً فيلزم
من كون
الباري
تعالى
قديماً
أزلياً كون
الحيز
والجهة
أزليين،
وحينئذ يلزم
أن يكون قد
حصل في الأزل
موجود قائم
بنفسه سوى
الله تعالى،
وذلك بإجماع
أكثر
العقلاء
باطل. وأما بيان
فساد القسم
الثاني: فهو
من وجهين:
أحدهما: أن
العدم نفي
محض، وعدم
صرف، وما كان
كذلك امتنع
كونه ظرفاً
لغيره وجهة
لغيره.
وثانيهما: أن
كل ما كان
حاصلاً في
جهة فجهته
ممتازة في
الحس عن جهة
غيره، فلو
كانت تلك
الجهة عدماً
محضاً لزم
كون العدم
المحض
مشاراً إليه
بالحس، وذلك
باطل، فثبت
أنه تعالى لو
كان حاصلاً
في حيز وجهة
لأفضى إلى
أحد هذين
القسمين
الباطلين،
فوجب أن يكون
القول به
باطلاً. فإن
قيل: فهذا
أيضاً وارد
عليكم في
قولكم: الجسم
حاصل في
الحيز
والجهة.
فنقول: نحن
على هذا
الطريق لا
نثبت للجسم
حيزاً ولا
جهة أصلاً
ألبتة، بحيث
تكون ذات
الجسم نافدة
فيه وسارية
فيه، بل
المكان
عبارة عن
السطح
الباطن من
الجسم
الحاوي
المماس
للسطح
الظاهر من
الجسم
المحوي،
وهذا المعنى
محال
بالاتفاق في
حق الله
تعالى، فسقط
هذا السؤال.
البرهان
السابع: أن نقول: كل
ذات قائمة
بنفسها
مشاراً
إليها بحسب
الحس فهو
منقسم وكل
منقسم ممكن
فكل ذات
قائمة
بنفسها مشار
إليها بحسب
الحس فهو
ممكن. فما لا
يكون ممكناً
لذاته بل كان
واجباً
لذاته امتنع
كونه مشاراً
إليه بحسب
الحس. أما
المقدمة
الأولى: فلأن
كل ذات قائمة
بالنفس مشار
إليها بحسب
الحس فلا بد
وأن يكون
جانب يمينه
مغايراً
لجانب يساره
وكل ماهو
كذلك فهو
منقسم. وأما
المقدمة
الثانية: وهي
أن كل منقسم
ممكن فإنه
يفتقر إلى كل
واحد من
أجزائه وكل
واحد من
أجزائه
غيره، وكل
منقسم فهو
مفتقر إلى
غيره، وكل
مفتقر إلى
غيره فهو
ممكن لذاته.
واعلم أن
المقدمة
الأولى من
مقدمات هذا
الدليل إنما
تتم بنفي
الجوهر
الفرد.
البرهان
التاسع: لو كان
الإله تعالى
حاصلاً في
الحيز
والجهة لكان
إما أن يكون
متناهياً من
كل الجوانب.
وإما أن لا
يكون كذلك
والقسمان
باطلان،
فالقول
بكونه
حاصلاً في
الحيز
والجهة باطل
أيضاً. أما
بيان أنه لا
يجوز أن يكون
متناهياً من
كل الجهات،
فلأن على هذا
التقدير
يحصل فوقه
أحياز
خالية، وهو
تعالى قادر
على خلق
الجسم في ذلك
الحيز
الخالي،
وعلى هذا
التقدير لو
خلق هناك
عالماً آخر
لحصل هو
تعالى تحت
العالم وذلك
عند الخصم
محال وأيضاً
فقد كان يمكن
أن يخلق من
الجوانب
الستة لتلك
الذات
أجساماً
أخرى، وعلى
هذا التقدير
فتحصل ذاته
في وسط تلك
الأجسام
محصورة فيها
ويحصل بينه
وبين
الأجسام
الاجتماع
تارة
والافتراق
أخرى، وكل
ذلك على الله
تعالى محال.
وأما القسم
الثاني: وهو
أن يكون غير
متناه من بعض
الجهات فهذا
أيضاً محال،
لأنه ثبت
بالبرهان
أنه يمتنع
وجود بعد لا
نهاية له،
وأيضاً فعلى
هذا التقدير
لا يمكن
إقامة
الدلالة على
أن العالم
متناه لأن كل
دليل يذكر في
تناهي
الأبعاد،
فإن ذلك
الدليل
ينتقض بذات
الله تعالى
فإنه على
مذهب الخصم
بعد لا نهاية
له، وهو وإن
كان لا يرضى
بهذا اللفظ
إلا أنه
يساعد على
المعنى، والمباحث
العقلية
مبنية على
المعاني، لا على
المشاحة في
الألفاظ. البرهان
العاشر: لو كان
الإله تعالى
حاصلاً في
الحيز
والجهة لكان
كونه تعالى
هناك إما أن
يمنع من حصول
جسم آخر هناك
أو لا يمنع،
والقسمان
باطلان فبطل
القول بكونه
حاصلاً في
الحيز. أما
فساد القسم
الأول: فلأنه
لما كان كونه
هناك مانعاً
من حصول جسم
آخر هناك كان
هو تعالى
مساوياً
لسائر
الأجسام في
كونه حجماً
متحيزاً
ممتداً في
الحيز
والجهة
مانعاً من
حصول غيره في
الحيز الذي
هو فيه، وإذا
ثبت حصول
المساواة في
ذلك المفهوم
بينه وبين
سائر
الأجسام
فإما أن يحصل
بينه وبينها
مخالفة من
سائر الوجوه
أو لا يحصل،
والأول باطل
لوجهين:
الأول: أنه
إذا حصلت
المشاركة
بين ذاته
تعالى وبين
ذوات
الأجسام من
بعض الوجوه،
والمخالفة
من سائر
الوجوه كان
ما به
المشاركة
مغايراً لما
به
المخالفة،
وحينئذ تكون
ذات الباري
تعالى مركبة
من هذين
الاعتبارين،
وقد دللنا
على أن كل
مركب ممكن
فواجب
الوجود
لذاته ممكن
الوجود
لذاته هذا
خلف. والثاني:
وهو أن ما به
المشاركة
وهو طبيعة
البعد
والامتداد.
إما أن يكون
محلاً لما به
المخالفة.
وإما أن يكون
حالاً فيه
وإما أن يقال:
إنه لا محل
له ولا حالاً
فيه. أما
الأول: وهو
أن يكون
محلاً لما به
المخالفة،
فعلى هذا
التقدير
طبيعة البعد
والامتداد
هي الجوهر
القائم
بنفسه،
والأمور
التي حصلت
بها
المخالفة
أعراض
وصفات، وإذا
كانت
الذوات
متساوية في
تمام
الماهية فكل ما صح
على بعضها
وجب أن يصح
على
البواقي،
فعلى هذا
التقدير كل
ما صح على
جميع
الأجسام،
وجب أن يصح
على الباري
تعالى
وبالعكس،
ويلزم منه
صحة التفرق
والتمزق
والنمو
والذبول
والعفونة
والفساد على
ذات الله
تعالى وكل
ذلك محال. وأما
القسم
الثاني: وهو
أن يقال: ما
به المخالفة
محل وذات،
وما به
المشاركة
حال وصفة
فهذا محال،
لأن على هذا
التقدير
تكون طبيعة
البعد
والامتداد
صفة قائمة
بمحل، وذلك
المحل إن كان
له أيضاً
اختصاص بحيز
وجهة، وجب
افتقاره إلى
محل آخر لا
إلى نهاية،
وإن لم يكن
كذلك فحينئذ
يكون
موجوداً
مجرداً لا
تعلق له
بالحيز
والجهة
والإشارة
الحسية
ألبتة،
وطبيعة
البعد
والامتداد
واجبة
الاختصاص
بالحيز
والجهة
والإشارة
الحسية،
وحلول ما هذا
شأنه في ذلك
المحل يوجب
الجمع بين
النقيضين
وهو محال.
وأما القسم
الثالث: وهو
أن لا يكون
أحدهما
حالاً في
الآخر ولا
محلاً له
فنقول: فعلى
هذا التقدير
يكون كل واحد
منهما
متبايناً عن
الآخر، وعلى
هذا التقدير
فتكون ذات
الله تعالى
مساوية
لسائر
الذوات
الجسمانية
في تمام
الماهية،
لأن ما به
المخالفة
بين ذاته
وبين سائر
الذوات ليست
حالة في هذه
الذوات، ولا
محالاً لها
بل أمور
أجنبية عنها
فتكون ذات
الله تعالى
مساوية
لذوات
الأجسام في
تمام
الماهية،
وحينئذ يعود
الإلزام
المذكور،
فثبت أن
القول: بأن
ذات الله
تعالى مختصة
بالحيز
والجهة بحيث
يمنع من حصول
جسم آخر في
ذلك الحيز
يفضي إلى هذه
الأقسام
الثلاثة
الباطلة
فوجب كونه
باطلاً. وأما
القسم
الثاني: وهو
أن يقال: إن
ذات الله
تعالى وإن
كانت مختصة
بالحيز
والجهة، إلا
أنه لا يمنع
من حصول جسم
آخر في ذلك
الحيز
والجهة،
فهذا أيضاً
محال لأنه
يوجب كون
ذاته مخالطة
سارية في ذات
ذلك الجسم
الذي يحصل في
ذلك الجنب
والحيز وذلك
بالإجماع
محال، ولأنه
لو عقل ذلك
فلم لا يعقل
حصول
الأجسام
الكثيرة في
الحيز
الواحد؟
فثبت أنه
تعالى لو كان
حاصلاً في
حيز لكان إما
أن يمنع حصول
جسم آخر في
ذلك الحيز أو
لا يمنع،
وثبت فساد
القسمين،
فكان القول
بحصوله
تعالى في
الحيز
والجهة
محالاً
باطلاً. البرهان
الحادي عشر: على
أنه يمتنع
حصول ذات
الله تعالى
في الحيز
والجهة هو أن
نقول: لو كان
مختصاً بحيز
وجهة لكان.
إما أن يكون
بحيث يمكنه
أن يتحرك عن
تلك الجهة أو
لا يمكنه
ذلك،
والقسمان
باطلان،
فبطل القول
بكونه
حاصلاً في
الحيز. والثالث:
أنه تعالى
لما كان
حاصلاً في
الحيز
والجهة كان
مساوياً
للأجسام في
كونه
متحيزاً
شاغلاً
للأحياز، ثم
نقيم
الدلالة
المذكورة
على أن
المتحيزات
لما كانت
متساوية في
صفة التحيز
وجب كونها
متساوية في
تمام
الماهية،
لأنه لو خالف
بعضها بعضاً
لكان ما به
المخالفة
إما أن يكون
حالاً في
المتحيز أو
محلاً له أو
لا حالاً ولا
محلاً،
والأقسام
الثلاثة
باطلة على ما
سبق. وإذا
كانت
متساوية في
تمام
الماهية
فكما أن
الحركة
صحيحة على
هذه الأجسام
وجب القول
بصحتها على
ذات الله
تعالى
وحينئذ يتم
الدليل. الحجة الثانية عشرة: لو كان تعالى مختصاً بحيز معين لكنا إذا فرضنا وصول إنسان إلى طرف ذلك الشيء وحاول الدخول فيه فإما أن يمكنه النفوذ والدخول فيه أو لا يمكنه ذلك، فإن كان الأول كان كالهواء اللطيف، والماء اللطيف، وحينئذ يكون قابلاً للتفرق والتمزق وإن كان الثاني كان صلباً كالحجر الصلد الذي لا يمكنه النفوذ فيه، فثبت أنه تعالى لو كان مختصاً بمكان وحيز وجهة لكان إما أن يكون رقيقاً سهل التفرق والتمزق كالماء والهواء، وإما أن يكون صلباً جاسئاً كالحجر الصلد، وقد أجمع المسلمون على أن إثبات هاتين الصفتين في حق الإله كفر وإلحاد في صفته، وأيضاً فبتقدير أن يكون مختصاً بمكان وجهة، لكان إما أن يكون نورانياً وظلمانياً، وجمهور المشبهة يعتقدون أنه نور محض، لاعتقادهم أن النور شريف والظلمة خسيسة، إلا أن الاستقراء العام دل على أن الأشياء النورانية رقيقة لا تمنع النافذ من النفوذ فيها، والدخول فيما بين أجزائها، وعلى هذا التقدير فإن ذلك الذي ينفذ فيه يمتزج به ويفرق بين أجزائه ويكون ذلك الشيء جارياً مجرى الهواء الذي يتصل تارة وينفصل أخرى. ويجتمع تارة ويتمزق أخرى، وذلك مما لا يليق بالمسلم أن يصف إله العالم به، ولو جاز ذلك فلم لا يجوز أن يقال إن خالق العالم هو بعض هذه الرياح التي تهب؟ أو يقال إنه بعض هذه الأنوار والأضواء التي تشرق على الجدران؟ والذين يقولون إنه لا يقبل التفرق والتمزق ولا يتمكن النافذ من النفوذ فإنه يرجع حاصل كلامهم إلى أنه حصل فوق العالم جبل صلب شديد وإله هذا العالم هو ذلك الجبل الصلب الواقف في الحيز العالي، وأيضاً فإن كان له طرف وحد ونهاية فهل حصل لذلك الشيء عمق وثخن أو لم يحصل؟ فإن كان الأول فحينئذ يكون ظاهره غير باطنه وباطنه غير ظاهره، فكان مؤلفاً مركباً من الظاهر والباطن مع أن باطنه غير ظاهره وظاهره غير باطنه، وإن كان الثاني فحينئذ يكون ذاته سطحاً رقيقاً في غاية الرقة مثل قشرة الثوم بل أرق منه ألف ألف مرة، والعاقل لا يرضى أن يجعل مثل هذا الشيء إله العالم، فثبت أن كونه تعالى في الحيز والجهة يفضي إلى فتح باب هذه الأقسام الباطلة الفاسدة. الحجة
الثالثة
عشرة:
العالم كرة،
وإذا كان
الأمر كذلك
امتنع أن
يكون إله
العالم
حاصلاً في
جهة فوق. الحجة الرابعة عشرة: لو كان إله العالم فوق العرش لكان إما أن يكون مماساً للعرش، أو مبايناً له ببعد متناه أو ببعد غير متناه، والأقسام الثلاثة باطلة، فالقول بكونه فوق العرش باطل. أما بيان فساد القسم الأول: فهو أن بتقدير أن يصير مماساً للعرش كان الطرف الأسفل منه مماساً للعرش، فهل يبقى فوق ذلك الطرف منه شيء غير مماس للعرش أو لم يبق؟ فإن كان الأول فالشيء الذي منه صار مماساً لطرف العرش غير ما هو منه غير مماس لطرف العرش، فيلزم أن يكون ذات الله تعالى مركباً من الأجزاء والأبعاض فتكون ذاته في الحقيقة مركبة من سطوح متلاقية موضوعة بعضها فوق بعض، وذلك هو القول بكونه جسماً مركباً من الأجزاء والأبعاض وذلك محال، وإن كان الثاني فحينئذ يكون ذات الله تعالى سطحاً رقيقاً لا ثخن له أصلاً، ثم يعود التقسيم فيه، وهو أنه إن حصل له تمدد في اليمين والشمال والقدام والخلف كان مركباً من الأجزاء والأبعاض، وإن لم يكن له تمدد ولا ذهاب في الأحياز بحسب الجهات الستة كان ذرة من الذرات وجزءاً لا يتجزأ مخلوطاً بالهباآت، وذلك لا يقوله عاقل. وأما القسم الثاني: وهو أن يقال بينه وبين العالم بعد متناه، فهذا أيضاً محال، لأن على هذا التقدير لا يمتنع أن يرتفع العالم من حيزه إلى الجهة التي فيها حصلت ذات الله تعالى إلى أن يصير العالم مماساً له، وحينئذ يعود المحال المذكور في القسم الأول. وأما القسم الثالث: وهو أن يقال أنه تعالى مباين للعالم بينونة غير متناهية، فهذا أظهر فساداً من كل الأقسام لأنه تعالى لما كان مبايناً للعالم كانت البينونة بينه تعالى وبين غيره محدودة بطرفين وهما ذات الله تعالى وذات العالم، ومحصوراً بين هذين الحاصرين، والبعد المحصور بين الحاصرين والمحدود بين الحدين والطرفين يمتنع كونه بعداً غير متناه. فإن قيل: أليس أنه تعالى متقدم على العالم من الأزل إلى الأبد، فتقدمه على العالم محصور بين حاصرين ومحدود بين حدين وطرفين أحدهما: الأزل، والثاني: أول وجود العالم ولم يلزم من كون هذا التقدم محصوراً بين حاصرين أن يكون لهذا التقدم أول وبداية، فكذا ههنا، وهذا هو الذي عول عليه محمد بن الهيثم في دفع هذا الإشكال عن هذا القسم. والجواب: أن هذا هو محض المغالطة، لأنه ليس الأزل عبارة عن وقت معين وزمان معين حتى يقال إنه تعالى متقدم على العالم من ذلك الوقت إلى الوقت الذي هو أول العالم، فإن كل وقت معين يفرض من ذلك الوقت إلى الوقت الآخر يكون محدوداً بين حدين ومحصوراً بين حاصرين، وذلك لا يعقل فيه أن يكون غير متناه بل الأزل عبارة عن نفي الأولية من غير أن يشار به إلى وقت معين ألبتة. إذا عرفت هذا فنقول: إما أن نقول إنه تعالى مختص بجهة معينة، وحاصل في حيز معين وإما أن لا نقول ذلك، فإن قلنا بالأول كان البعد الحاصل بين ذينك الطرفين محدوداً بين ذينك الحدين والبعد المحصور بين الحاصرين لا يعقل كونه غير متناه، لأن كونه غير متناه عبارة عن عدم الحد والقطع والطرف، وكونه محصوراً بين الحاصرين معناه إثبات الحد والقطع والطرف والجمع بينهما يوجب الجمع بين النقيضين، وهو محال. ونظيره ما ذكرناه أنا متى عينا قبل العالم وقتاً معيناً كان البعد بينه وبين الوقت الذي حصل فيه أول العالم بعداً متناهياً لا محالة. وأما إن قلنا بالقسم الثاني: وهو أنه تعالى غير مختص بحيز معين وغير حاصل في جهة معينة، فهذا عبارة عن نفي كونه في الجهة. لأن كون الذات المعينة حاصلة لا في جهة معينة في نفسها قول محال، ونظير هذا قول من يقول الأزل ليس عبارة عن وقت معين بل إشارة إلى نفي الأولية والحدوث، فظهر أن هذا الذي قاله ابن الهيثم تخييل خال عن التحصيل.
|
P. 2
¡@