تفسير ايات الاستواء

 الاية الاولى في سورة البقرة   رقم 29 
: قال المفسرون      

1-  تفسير جامع البيان في تفسير القرآن للطبري


القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{ ثُم اسْتَوَى إلـى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوات}
قال أبو جعفر: اختلف فـي تأويـل قوله:{
ثُمَّ اسْتَوَى إلـى السَّماءِ}

1. فقال بعضهم: معنى استوى إلـى السماء ، أقبل علـيها ، كما تقول: كان فلان مقبلاً علـى فلان ثم استوى علـيّ  يشاتـمنـي واستوى إلـيّ يشاتـمنـي، بـمعنى: أقبل علـيّ وإلـيّ يشاتـمنـي. واستشهد علـى أن الاستواء بـمعنى الإقبـال بقول الشاعر:
أقُولُ وَقَدْ قَطَعْنَ بِنا شَرَوْرَى        سَوَامِدَ وَاسْتَوَيْنَ مِنَ الضَّجُوعِ    فزعم أنه عنى به أنهن خرجن من الضَّجوع، وكان ذلك عنده بـمعنى أقبلن. وهذا من التأويـل فـي هذا البـيت خطأ، وإنـما معنى قوله: «واستوين من الضجوع» عندي: استوين علـى الطريق من الضجوع خارجات، بـمعنى استقمن علـيه.

2. وقال بعضهم: لـم يكن ذلك من الله جل ذكره بتـحوّل، ولكنه بـمعنى فعله، كما تقول: كان الـخـلـيفة فـي أهل العراق يوالـيهم ثم تـحوّل إلـى الشام ، إنـما يريد تـحوّل فعله.

3. وقال بعضهم: قوله{ ثُمَّ اسْتَوَى إلـى السَّمَاءِ } يعنـي به: استوت ، كما قال الشاعر: 
        أقُولُ لَهُ لَـمَّا اسْتَوَى فـي تُرَابِهِ     علـى أيّ دِينٍ قَبَّلَ الرأسَ مُصْعَبُ 

4.
وقال بعضهم: { ثُمَّ اسْتَوَى إلـى السَّماءِ}: عمد إلـيها. وقال: بل كل تارك عملاً كان فـيه إلـى آخره فهو مستو لـما عمد ومستو إلـيه.

5. وقال بعضهم: الاستواء: هو العلوّ، والعلوّ: هو الارتفـاع . ومـمن قال ذلك الربـيع بن أنس. حدثت بذلك عن عمار بن الـحسن، قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس:{ ثُمَّ اسْتَوَى إلـى السَّماءِ } يقول: ارتفع إلـى السماء.

ثم اختلف متأوّلو الاستواء بـمعنى العلوّ والارتفـاع فـي الذي استوى إلـى السماء ،   فقال بعضهم: الذي استوى إلـى السماء وعلا علـيها: هو خالقها ومنشئها.  وقال بعضهم: بل العالـي إلـيها الدخان الذي جعله الله للأرض سماء.

قال أبو جعفر: الاستواء فـي كلام العرب منصرف علـى وجوه:

1-   منها انتهاء شبـاب الرجل وقوّته، فـيقال إذا صار كذلك: قد استوى الرجل،

2-  ومنها استقامة ما كان فـيه أَوَدٌ من الأمور والأسبـاب، يقال منه: استوى لفلان أمره: إذا استقام له     بعد
أود. ومنه قول الطرماح بن حكيـم:
                   طالَ علـى رَسْمٍ مَهْدَدٍ أبَدُهْ        وعَفـا واسْتَوَى بِهِ بَلَدُهْ        يعنـي: استقام به.

3-  ومنها الإقبـال علـى الشيء بـالفعل، كما يقال: استوى فلان علـى فلان بـما يكرهه ويسوءه بعد الإحسان إلـيه.

4- ومنها الاحتـياز والاستـيلا ء كقولهم: استوى فلان علـى الـمـملكة ، بـمعنى احتوى علـيها وحازها.

5-  ومنها العلوّ والارتفـاع، كقول القائل: استوى فلان علـى سريره، يعنـي به علوّه علـيه.

 وأولـى الـمعانـي بقول الله جل ثناؤه:{ ثُمَّ اسْتَوَى إلـى السماءِ فَسَوَّاهُنْ } علا علـيهنّ وارتفع فدبرهن بقدرته وخـلقهنّ سبع سموات.
 والعجب مـمن أنكر الـمعنى الـمفهوم من كلام العرب فـي تأويـل قول الله:{ ثُمَّ اسْتَوَى إلـى السَّماءِ } الذي هو بـمعنى العلوّ والارتفـاع هربـاً عند نفسه من أن يـلزمه بزعمه إذا تأوله بـمعناه الـمفوهم كذلك أن يكون إنـما علا وارتفع بعد أن كان تـحتها، إلـى أن تأوله بـالـمـجهول من تأويـله الـمستنكر، ثم لـم ينـج مـما هرب منه. فـيقال له: زعمت أن تأويـل قوله:{ اسْتَوَى } أقْبَلَ، أفكان مدبراً عن السماء فأقبل إلـيها ؟  فإن زعم أن ذلك لـيس بإقبـال فعل ولكنه إقبـال تدبـير، قـيـل له: فكذلك فقل:
علا علـيها علوّ ملك وسلطان لا علوّ انتقال وزوال. ثم لن يقول فـي شيء من ذلك قولاً إلا ألزم فـي الآخر مثله، ولولا أنا كرهنا إطالة الكتاب بـما لـيس من جنسه لأنبأنا عن فساد قول كل قائل قال فـي ذلك قولاً لقول أهل الـحقّ فـيه مخالفـاً، وفـيـما بـينا منه ما يشرف بذي الفهم علـى ما فـيه له الكفـاية إنه شاء الله تعالـى.

2-  تفسير البحر المحيط لأبي حيان


{ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

الاستواء: الاعتدال والاستقامة ، استوى العود وغيره: إذا استقام واعتدل، ثم قيل:  استوى إليه كالسهم المرسل، إذا قصده قصداً مستوياً من غير أن يلوي على شيء، والتسوية: التقويم والتعديل.

ثم قال :

 ومعنى (جميعاً ) العموم . فهو مرادف من حيث المعنى للفظة ( كل)  كأنه قيل: ما في الأرض كله ، ولا تدل على الاجتماع  في  الزمان ، وهذا هو الفارق بين معاً وجميعاً .

والعطف  بثم   يقتضي التراخي في الزمان ، ولا زمان إذ  ذاك ،
 فقيل: أشار
 بثم   إلى التفاوت الحاصل بين خلق السماء والأرض في القدر،
وقيل: لما كان بين خلق الأرض والسماء أعمال من جعل الرواسي والبركة فيها وتقدير الأقوات عطف  
 بثم  ، إذ بين خلق الأرض والاستواء  تراخ يدل على ذلك:  { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِى خَلَقَ الاْرْضَ فِى يَوْمَيْنِ} ، الآية.

  ثم قال عند شرح ( استوى):

 (وفي الاستواء هنا سبعة أقوال):

أحدها: أقبل وعمد إلى خلقها وقصد من غير أن يريد فيما بين ذلك خلق شيء آخر، وهو استعارة من قولهم: استوى إليه كالسهم المرسل، إذا قصده قصداً مستوياً من غير أن يلوي على شيء، قال معناه الفراء، واختاره الزمخشري، وبين ما الذي استعير منه.
 
الثاني: علا وارتفع من غير تكييف ولا تحديد، قاله الربيع بن أنس، والتقدير: علا أمره وسلطانه، واختاره الطبري.
 
لثالث: أن يكون إلى بمعنى على ، أي استوى على السماء، أي تفرد بملكها ولم يجعلها كالأرض ملكاً لخلقه ، ومن هذا المعنى قول الشاعر:
               فلما  علونا  واستوينا  عليهم            تركناهم صرعى لنسر وكاسر

ومعنى هذا الاستيلاء كما قال الشاعر
:

قد  استوى  بشر على العراق            من غير سيف ودم مهراق   .

الرابع: أن المعنى تحول أمره إلى السماء واستقر فيها، والاستواء هو الاستقرار، فيكون ذلك على حذف مضاف، أي ثم استوى أمره إلى السماء، أي استقر لأن أوامره وقضاياه تنزل إلى الأرض من السماء، قاله الحسن البصري.

والخامس: أن المعنى استوى بخلقه واختراعه إلى السماء، قاله ابن كيسان، ويؤول المعنى إلى القول الأول.

السادس: أن المعنى كمل صنعه فيها، كما تقول: استوى الأمر، وهذا ينبو اللفظ عن الدلالة عليه.

السابع: أن الضمير في استوى عائد على الدخان ، وهذا بعيد جدًّا يبعده  قوله تعالى:{ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِىَ دُخَانٌ} ، واختلاف الضمائر وعوده على غير مذكور، ولا يفسره سياق الكلام . 

  وهذه التأويلات كلها فرار عما تقرر في العقول من أن الله تعالى يستحيل أن يتصف بالانتقال المعهود في غيره تعالى ، وأن يحل فيه حادث أو يحل هو في حادث، وسيأتي الكلام على الاستواء بالنسبة إلى العرش ، إن شاء الله تعالى .

وقد اختلف أهل العلم في أيهما خلق قبل، فمنهم من قال: السماء خلقت قبل الأرض، ومنهم من قال: الأرض خلقت قبل السماء، وكل تعلق في الاستدلال بظواهر آيات يأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى. والذي تدل عليه هذه الآية أن خلق ما في الأرض لنا متقدم على تسوية السماء سبعاً لا غير، والمختار أن جرم الأرض خلق قبل السماء، وخلقت السماء بعدها، ثم دحيت الأرض بعد خلق السماء وبهذا يحتمل الجمع بين الآيات.

{شَىْء }: قد تقدم اختلاف الناس في مدلول شيء. فمن أطلقه على الموجود والمعدوم كان تعلق العلم بهما من هذه الآية ظاهراً، ومن خصه بالموجود فقط كان تعلق علمه تعالى بالمعدوم مستفاداً من دليل آخر غير هذه الآية.
{عَلِيمٌ }؛ قد ذكرنا أنه من أمثلة المبالغة، وقد وصف تعالى نفسه بعالم وعليم وعلام، وهذان للمبالغة.  وقد أدخلت العرب الهاء لتأكيد المبالغة في علامة، ولا يجوز وصفه به تعالى.
والمبالغة بأحد أمرين: أما بالنسبة إلى تكرير وقوع الوصف سواء اتحد متعلقه أم تكثر، وأما بالنسبة إلى تكثير المتعلق لا تكثير الوصف. ومن هذا الثاني المبالغة في صفات الله تعالى، لأن علمه تعالى واحد لا تكثير فيه، فلما تعلق علمه تعالى بالجميع كلية وجزئية دقيقة، وجليلة معدومة وموجودة، وصف نفسه تعالى بالصفة التي دلت على المبالغة، وناسب مقطع هذه الآية بالوصف بمبالغة العلم، لأنه تقدم ذكر خلق الأرض والسماء والتصرف في العالم العلوي والسفلي وغير ذلك من الإماتة والإحياء، وكل ذلك يدل على صدور هذه الأشياء عن العلم الكامل التام المحيط بجميع الأشياء.
وقال بعض الناس: العليم من كان علمه من ذاته، والعالم من كان علمه متعدياً من غيره، وهذا ليس بجيد لأن الله تعالى قد وصف نفسه بالعالم، ولم يكن علمه بتعلم. وفي تعميم قوله تعالى: {بكل شيء عليم رد على من زعم أن علم الله تعالى متعلق بالكليات لا بالجزئيات، تعالى الله عن ذلك.  وقالوا: علم الله تعالى يتميز على علم عباده بكونه واحداً يعلم به جميع المعلومات، وبأنه لا يتغير بتغيرها، وبأنه غير مستفاد من حاسة ولا فكر، وبأنه ضروري لثبوت امتناع زواله، وبأنه تعالى لا يشغله علم عن علم، وبأن معلوماته تعالى غير متناهية. وفي قولهم لا يشغله علم عن علم، يريدون، معلوم عن معلوم، لأنه قد تقدم أن علم الله واحد ولا يشغله تعلق علم شيء عن تعلقه بشيء آخر.  

 3-  تفسير الجامع لأحكام القرأن للقرطبي


الخامسة: قوله تعالى: {
ثُمَّ اسْتَوَى} «ثم» لترتيب الإخبار لا لترتيب الأمر في نفسه.
 والاستواء في اللغة: الارتفاع والعلوّ على الشيء  ؛  قال الله تعالى:  {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ  }  (المؤمنون: 28) ، وقال { لِتَسْتَوُواْ عَلَى ظُهُورِهِ}  (الزخرف: 13)، وقال الشاعر:

 فأوردتهم ماء بفَيْفاء قَفرة         وقد حلّق النجم اليمانيّ فاستوى  :   أي ارتفع وعلا ،  واستوت الشمس على رأسي واستوت الطير على قِمّة رأسي، بمعنى علا.
 
وهذه الآية من المشكلات، والناس فيها وفيما شاكلها على ثلاثة أوجه:
1- قال بعضهم: نقرؤها ونؤمن بها ولا نفسرها؛ وذهب إليه كثير من الأئمة، وهذا كما روي عن مالك رحمه الله أن رجلاً سأله عن قوله تعالى: {الرَّحْمَـنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى  } (طه: 5)   قال مالك: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة ،  وأراك رجل سَوْء أخرجوه.

2- وقال بعضهم: نقرؤها ونفسّرها على ما يحتمله ظاهر اللغة. وهذا قول المشبّهة.

3- وقال بعضهم: نقرؤها ونتأوّلها ونُحيل حَمْلها على ظاهرها.

l     وقال الفرّاء في قوله عزّ وجلّ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ}  قال: الاستواء في كلام العرب على وجهين:

1-   أحدهما: أن يَسْتَوِي الرجل وينتهي شبابه وقوته ،

2-   أو يستوي عن اعوجاج. فهذان وجهان.

3-   ووجه ثالث أن تقول: كان فلان مقبلاً على فلان ثم استوى عليّ وإليّ يشاتمني . على معنى أقبل إليّ وعليّ . فهذا معنى قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ} والله أعلم.

قال-  اي الفرّاء- وقد قال إبن عباس: ثم استوى إلى السماء  صعِد . وهذا كقولك: كان قاعداً فاستوى قائماً، وكان قائماً فاستوى قاعداً؛ وكل ذلك في كلام العرب جائز.  
وقال البيهقي أبو بكر أحمد بن عليّ بن الحسين: قوله: «استوى» بمعنى أقبل صحيح ، لأن الإقبال هو القصد إلى خلق السماء ؛ والقصد هو الإرادة ، وذلك جائز في صفات الله تعالى . ولفظة «ثم» تتعلق بالخلق لا بالإرادة. وأما ما حُكي عن ابن عباس فإنما أخذه -  اي الفرّاء- عن تفسير الكلبيّ، والكلبيّ ضعيف. وقال سفيان بن عُيينة وابن كَيسان في قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ}: قصد إليها، أي بخلقه واختراعه،  فهذا قول . وقيل: على دون تكييف ولا تحديد ؛ واختاره الطبري . ويُذكر عن أبي العالية الرّياحيّ في هذه الآية أنه يقال: استوى بمعنى أنه ارتفع . قال البيهقي : ومراده من ذلك ـ والله أعلم ـ ارتفاع أمره ، وهو بخار الماء الذي وقع منه خلق السماء. وقيل: إن المستوى الدخان. وقال ابن عطية: وهذا يأباه وصف الكلام. وقيل: المعنى استولى ؛ كما قال الشاعر:

  قد اسْتَوَى بِشْرٌ على العِراق        مِن غيرِ سَيْفٍ ودَمٍ مُهْراق

قال ابن عطية: وهذا إنما يجيء في قوله تعالى: {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَآءُ بَنَاهَا}. قلت: قد تقدّم في قول الفرّاء عليّ وإليّ بمعنىً. وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان في سورة «الأعراف» إن شاء الله تعالى
.  والقاعدة في هذه الآية ونحوها منع الحركة والنقلة.  

4- تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل للبيضاوي


{
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء } قصد إليها بإرادته، من قولهم استوى إليه كالسهم المرسل، إذا قصده قصداً مستوياً من غير أن يلوي على شيء. وأصل الاستواء طلب السواء، وإطلاقه على الاعتدال لما فيه من تسوية وضع الأجزاء، ولا يمكن حمله عليه لأنه من خواص الأجسام .  وقيل استوى أي: استولى ومَلَكَ ، قال الشاعر:

قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ على العِرَاق       مِنْ غَير سَيْفٍ ودَمٍ مُهْرَاقِ

والأول أوفق للأصل والصلة المعدى بها والتسوية المترتبة عليه بالفاء، والمراد بالسماء هذه الأجرام العلوية، أو جهات العلو، و {ثُمَّ } لعله لتفاوت ما بين الخلقين وفضل خلق السماء على خلق الأرض كقوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءامَنُواْ } لا للتراخي في الوقت ، فإنه يخالف ظاهر قوله تعالى: {وَ الاْرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَـاهَا } فإنه يدل على تأخر دحو الأرض المتقدم على خلق ما فيها عن خلق السماء وتسويتها، إلا أن تستأنف بدحاها مقدراً لنصب الأرض فعلاً آخر دل عليه {أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ } مثل تعرف الأرض وتدبر أمرها بعد ذلك لكنه خلاف الظاهر.

 

  5- تفسير مفاتيح الغيب للرازي


وأما قوله تعالى: {ثُمَّ
اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء } فيه مسائل:

 المسألة الأولى: الاستواء في كلام العرب قد يكون بمعنى الانتصاب وضده الإعوجاج ولما كان ذلك من صفات الأجسام، فالله تعالى يجب أن يكون منزهاً عن ذلك ولأن في الآية ما يدل على فساده لأن قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى } يقتضي التراخي ولو كان المراد من هذا الاستواء العلو بالمكان لكان ذلك العلو حاصلاً أولاً ولو كان حاصلاً أولاً لما كان متأخراً عن خلق ما في الأرض لكن قوله: { ثُمَّ اسْتَوَى } يقتضي التراخي ، ولما ثبت هذا وجب التأويل وتقريره أن الاستواء هو الاستقامة يقال استوى العود إذا قام واعتدل ثم قيل استوى إليه كالسهم المرسل إذا قصده قصداً مستوياً من غير أن يلتفت إلى شيء آخر ومنه استعير قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء } أي خلق بعد الأرض السماء ولم يجعل بينهما زماناً ولم يقصد شيئاً آخر بعد خلقه الأرض.

 

ثم ذكر بيانه للمسالة الثانية :

أن قوله: «ثم» ليس للترتيب ههنا وإنما هو على جهة تعديد النعم، مثاله قول الرجل لغيره: أليس قد أعطيتك النعم العظيمة ثم رفعت قدرك ثم دفعت الخصوم عنك، ولعل بعض ما أخره في الذكر قد تقدم فكذا ههنا والله أعلم.

 

6-  تفسير التفسير الكبير للقشيري


قوله جلّ ذكره: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ}.
فالأكوان بقدرته استوت، لا أن الحق سبحانه بذاته - على مخلوق ¡V استوى ، وأَنَّى بذلك !  والأحدية والصمدية حقه وما توهموه من جواز التخصيص بمكان فمحال ما توهموه، إذ المكان به استوى، لا الحق سبحانه على مكانٍ بذاته استوى.

7-  تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي

{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء } الاستواء: الاعتدال والاستقامة. يقال: استوى العود أي قام واعتدل، ثم قيل: استوى إليه كالسهم المرسل أي قصده قصداً مستوياً من غير أن يلوي على شيء ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} (فصلت: 11)، أي أقبل وعمد إلى خلق السموات بعد ما خلق ما في الأرض من غير أن يريد فيما بين ذلك خلق شيء آخر.
 والمراد بالسماء جـهات العلو كأنه قيل: ثم استوى إلى فوق.

 

8- تفسير بحر العلوم للسمرقندي


قوله تعالى: {هُوَ الَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الاْرْضِ جَمِيعاً } ، أي قدَّر خَلْقَهَا لأن الأشياء كلها لم تُخلق في ذلك الوقت، لأن الدواب وغيرها من الثمار التي في الأرض تخلق وقتاً بعد وقت، ولكن معناه قدَّر خلق الأشياء التي في الأرض.


وقوله تعالى: {
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء } هذه الآية من المشكلات ؛ والناس في هذه الآية وما شاكلها على ثلاثة أوجه:

 
1- قال بعضهم: نقرؤها ونؤمن بها ولا نفسرها، وهذا كما روي عن مالك بن أنس ــــ رحمه الله ــــ أن رجلاً سأله عن قوله: {الرَّحْمَـنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5)، فقال مالك: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا ضالاً فأخرجوه فطردوه، فإذا هو جهم بن صفوان.
 

2- وقال بعضهم: نقرؤها ونفسرها على ما يحتمله ظاهر اللغة وهذا قول المشبهة.

 
وللتأويل في هذه الآية وجهان: أحدهما: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء } ، أي صعد أمره إلى السماء، وهو قوله: (كن فكان)، وتأويل آخر وهو قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء } أي أقبل إلى خلق السماء. فإن قيل: قد قال في آيةٍ أخرى{أَءَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَآءُ بَنَـاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَـاهَا * وَالاٌّرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَـاهَا} (النازعات: 27، 28، ،30) فذكر في تلك الآية أن الأرض خلقت بعد السماء، وذكر في هذه الآية أن الأرض خلقت قبل السماء. الجواب عن هذا أن يقال: خلق الأرض قبل السماء وهي ربوة حمراء في موضع الكعبة، فلما خلق السماء بسط الأرض بعد خلق السماء فذلك قوله تعالى: {وَالاْرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَـاهَا} أي بسطها.

¡@تابع تفسير ءاية البقرة

P.1

  صفحة ايات الاستواء 

Arabic Index

­º ­¶
INDEX

¡@

¡@