< معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام

القسم الثالث من الكتاب في القضاء بالسياسة الشرعية >

 فصل في الجنايات > فصل في الردة

قال المؤلف:

)فَصْلٌ ) : فِي الرِّدَّةِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهَا ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الْخَاتِمَةِ ، وَهِيَ الْكُفْرُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ، وَيَكُونُ بِصَرِيحٍ وَبِلَفْظٍ يَقْتَضِيهِ وَبِفِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ ، فَالصَّرِيحُ وَاضِحٌ كَقَوْلِهِ : أُشْرِكُ بِاَللَّهِ أَوْ أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَاللَّفْظُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ مِثْلُ أَنْ يَنْسُبَ التَّأْثِيرَ إلَى النُّجُومِ وَمِثْلُ الْخَطِيبِ يَرَى كَافِرًا يُرِيدُ أَنْ يَنْطِقَ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ فَيَقُولَ لَهُ : اصْبِرْ حَتَّى أَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِي فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِكُفْرِ الْخَطِيبِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَرَادَ بَقَاءَ الْكُفْرِ ، وَهَذَا رَأَيْتُهُ نَصًّا لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ ، وَلَكِنْ غَابَ عَنِّي مَوْضِعُهُ . وَوَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ فِي أَيَّامِ شِهَابِ الدِّينِ الْقَرَافِيُّ بِمِصْرَ ، وَكَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ - إذْ ذَاكَ - مُتَوَافِرِينَ ، وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِآخَرَ : أَمَاتَ اللَّهُ الْبَعِيدَ كَافِرًا ، فَأَفْتَى شَرَفُ الدِّينِ الْكُرْكِيُّ بِكُفْرِهِ ، قَالَ : ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُكْفَرَ بِاَللَّهِ . وَأَفْتَى الْقَرَافِيُّ بِعَدَمِ كُفْرِهِ ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ إرَادَةَ الْكُفْرِ لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً لَهُ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّغْلِيظَ فِي الشَّتْمِ وَإِرَادَةُ التَّكَفُّرِ شَيْءٌ يَئُولُ إلَيْهِ الْأَمْرُ ، وَمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ هُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ حَيْثُ قَالَ : لَوْ قَالَ لِآخَرَ : قَبَضَ اللَّهُ رُوحَكَ عَلَى الْكُفْرِ إنَّهُ لَا يَكْفُرُ ، وَتَمَامُ ذَلِكَ اُنْظُرْهُ فِي الْخُلَاصَةِ فِي الْجِنْسِ الْخَامِسِ مِنْ كِتَابِ أَلْفَاظِ الْكُفْرِ . وَاللَّفْظُ الَّذِي يَقْتَضِي الْكُفْرَ كَجَحْدِهِ لِمَا عُلِمَ مِنْ الشَّرِيعَةِ ضَرُورَةً كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ . اُنْظُرْ الْقُنْيَةَ ، وَمَا حُكِيَ فِيهَا عَنْ نُظُمِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ وَأَمَّا الْفِعْلُ الَّذِي يَتَضَمَّنُ الْكُفْرَ فَمِثْلُ التَّرَدُّدِ فِي الْكَنَائِسِ وَالْتِزَامِ الزُّنَّارِ فِي الْأَعْيَادِ . اُنْظُرْ الْخُلَاصَةَ . وَكَتَلْطِيخِ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ بِالنَّجَاسَاتِ وَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ , وَكَذَا لَوْ وَضَعَ رِجْلَهُ عَلَيْهِ اسْتِخْفَافًا . ِ 1 .

(مَسْأَلَةٌ ) : إمرأة  قَالَتْ فِي الْغَضَبِ أَنَا يَهُودِيَّةٌ أَوْ كَافِرَةٌ حُرِّمَتْ عَلَى الزَّوْجِ .

فَصْلٌ ) : فِيمَنْ سَبَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَوْ الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْبِيَاءَ أَوْ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ اسْتَوْفَى الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالشِّفَاءِ الْكَلَامَ فِي هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ وَلَمْ يَتْرُكْ لِغَيْرِهِ مَقَالًا .
 وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ  :
لَا خِلَافَ أَنَّ سَابَّ اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَافِرٌ حَلَالُ الدَّمِ ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي اسْتِتَابَتِهِ .

( فَصْلٌ ) : وَمَنْ سَبَّ
مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ قُتِلَ . وَوَقَعَ فِي
الْخُلَاصَةِ : لَوْ قَالَ : لِقَاؤُكَ عَلَيَّ كَلِقَاءِ مَلَكِ الْمَوْتِ قَالَ الْحَاكِمُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : إنْ كَانَ قَالَهُ لِكَرَاهَةِ الْمَوْتِ لَا يَكْفُرُ ، وَلَوْ قَالَهُ لِعَدَاوَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ يَكْفُرُ .

                                               1                                                          


( فَصْلٌ ) : وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي سَبِّ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ : مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْ عَابَهُ أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا فِي نَسَبِهِ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ دِينِهِ أَوْ خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِهِ أَوْ عَرَّضَ بِهِ أَوْ شَبَّهَهُ بِشَيْءٍ عَلَى طَرِيقِ السَّبِّ وَالِازْدِرَاءِ عَلَيْهِ أَوْ النَّقْصِ لِشَأْنِهِ أَوْ الْغَضِّ مِنْهُ وَالْعَيْبِ لَهُ فَهُوَ سَابٌّ تَلْوِيحًا كَانَ أَوْ تَصْرِيحًا ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَعَنَهُ أَوْ دَعَا عَلَيْهِ أَوْ تَمَنَّى مَضَرَّةً لَهُ أَوْ نَسَبَ إلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ أَوْ عَبَثَ فِي جِهَتِهِ الْعَزِيزَةِ بِسُخْفٍ مِنْ الْكَلَامِ أَوْ بِشَيْءٍ مِمَّا جَرَى مِنْ الْبَلَاءِ وَالْمِحْنَةِ عَلَيْهِ أَوْ عِصْمَتِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الْعَوَارِضِ الْبَشَرِيَّةِ الْجَائِزَةِ وَالْمَعْهُودَةِ لَدَيْهِ - قُتِلَ . قَالَ : هَذَا كُلُّهُ إجْمَاعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الْفَتْوَى مِنْ لَدُنْ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ إلَى هَلُمَّ جَرًّا .

 

( مَسْأَلَةٌ ) : وَالْمُشَبِّهُ مُبْتَدِعٌ ، فَإِنْ أَرَادَ بِالْيَدِ الْجَارِحَةَ فَهُوَ كَافِرٌ . وَالْمُبْتَدِعُ : صَاحِبُ الْبِدْعَةِ الْكَبِيرَةِ . وَفِي الْمُنْتَقَى : سُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَقَالَ : أَنْ تُفَضِّلَ الشَّيْخَيْنِ وَتُحِبَّ الْحَسَنَيْنِ وَتَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَتُصَلِّيَ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ ، وَاَللَّهُ الْهَادِي . مِنْ الْخُلَاصَةِ . وَرَوَى مَالِكٌ : مَنْ سَبَّ أَبَا بَكْرٍ جُلِدَ ، وَمَنْ سَبَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قُتِلَ ، فَقِيلَ لَهُ : لِمَ ؟ فَقَالَ : مَنْ رَمَاهَا فَقَدْ خَالَفَ الْقُرْآنَ

) فَصْلٌ ) : وَمَنْ اسْتَخَفَّ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ أَوْ جَحَدَهُ أَوْ حَرْفًا مِنْهُ أَوْ كَذَّبَ بِشَيْءٍ مِنْهُ أَوْ أَثْبَتَ مَا نَفَاهُ أَوْ نَفَى مَا أَثْبَتَهُ عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ بِذَلِكَ ، أَوْ شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْإِجْمَاعِ . وَكَذَا مَنْ غَيَّرَ شَيْئًا مِنْهُ أَوْ زَادَ فِيهِ كَفِعْلِ الْبَاطِنِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّة أَوْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْ لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ وَلَا مُعْجِزَةٌ كَقَوْلِ هِشَامٍ الْقُرَظِيِّ وَمَعْمَرٍ الضَّمْرِيِّ إنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى اللَّهِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِرَسُولِ اللَّهِ ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى ثَوَابٍ وَلَا عِقَابٍ وَلَا حُكْمٍ فَلَا مَحَالَةَ فِي كُفْرِهِمَا بِهَذَا الْقَوْلِ . وَكَذَا نُكَفِّرُهُمَا بِإِنْكَارِهِمَا أَنْ يَكُونَ فِي سَائِرِ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ حُجَّةٌ لَهُ ، أَوْ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ دَلِيلٌ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِمُخَالَفَتِهِمَا الْإِجْمَاعَ وَالنَّقْلَ الْمُتَوَاتِرَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِاحْتِجَاجِهِ بِهَذَا كُلِّهِ وَتَصْرِيحِ الْقُرْآنِ بِهِ   

( فَصْلٌ ) : وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ سَبَّ نَبِيًّا أَوْ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ فَإِنَّ سَبِيلَهُ سَبِيلُ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ . قَالَ صَاحِبُ
الشِّفَاءِ : وَهَذَا فِيمَنْ حَقَّقْنَا كَوْنَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ كَجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَخَزَنَةِ الْجَنَّةِ وَخَزَنَةِ النَّارِ - أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْهَا - وَالزَّبَانِيَةِ وَحَمَلَةِ الْعَرْشِ ، وَكَعِزْرَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَرَضْوَانَ وَالْحَفَظَةِ وَمُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَى قَبُولِ الْخَبَرِ الْوَارِدِ بِذِكْرِهِمْ ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ تَثْبُتْ الْأَخْبَارُ بِتَعْيِينِهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّسُلِ فَلَيْسَ الْحُكْمُ فِي سَابِّهِمْ وَالْكَافِرِ بِهِمْ كَالْحُكْمِ فِيمَنْ قَدَّمْنَاهُ إذَا لَمْ تَثْبُتْ لَهُمْ تِلْكَ الْحُرْمَةُ ، وَلَكِنْ يُزْجَرُ مَنْ نَقْصِهِمْ وَآذَاهُمْ وَيُؤَدَّبُ بِحَالِ الْمَقُولِ فِيهِمْ

                                               1                                                          

العودة الى صفحة
أحكام الرّدّة  في مذهب  السادة الاحناف

العودة الى صفحة
أحكام الرّدّة  في المذاهب الاربعة 

Arabic Index

 
首 頁
INDEX